عندما بدأ السيد الامام رحمه الله بكتابة الكراريس (الساندويش) في الستينيات، لم يكن من الممكن تصديق نتائجه الباهرة التي نراها اليوم، وماسيشهاده الاجيال في المستقبل.
بدأ بأبسط الامور، لا اعلم اي كتاب كان هو الاول، الا انني رأيت ماكتبه في فروع الدين، مثل الصلاة والصوم، وحول الشيعة، مثل اعرف الشيعة، هكذا الشيعة و..، وكان مهتما بايصالها الى الجميع ومن دون استثناء.
بدأ بالكتابة وهو صغير في العمر، واضعا حاجة المجتمع نصب عينيه، يكتب في الاجتهاد والتقليد، البحث العلمي، كما يكتب في اوليات الاسلام للجيل الناشيء، الا انه كان يعتمد على هذه الكراريس ويبذل جل جهده في ايصال الفكرة الى عدد أكبر من افراد المجتمع.
وكان الناس يحبونه كثيرا، لانه كان يلتقي بالجميع ويتكلم ويناقش و.. وفي كل الأحوال الابتسامة في وجهه، لان المؤمن بشره في وجهه، كما في الحديث الشريف.
لقد كلف بعض الشباب، على مايبدو، ليترقبوا الزائرالجديد والغريب القادم الى العتبات الدينية في كربلاء المقدسة ليتعرفوا عليه ويرشدوا صاحب المسألة الى دارالامام المتواضع في سبيل ارشاده والاجابة على مسائله.
لم يكن الشعب العراقي مثقفا بالثقافة الدينية آنذاك، وكذلك الشعوب الاخرى، والاعلام الضال يتغلغل الى الادمغة من حيث لاشعور، وكانت التهم الواهية تلصق بالدين والمتدين حتى عرف بانه افيون الشعوب.
وفي المناسبات الدينية، لم يتمكن الشباب من التعرف الى كثير من الوافدين لكثرة الزحام، وكانت الحاجة الى وسيلة توصل الفكرة وتستغل الزمن، وقت الزيارة، وبدأ الامام رحمه الله بالمكبرات الصوتية التي نصبها في ساحات المدينة الحسينية، كربلاء المقدسة، وفي كل الشوارع، والتبليغ الديني ينطلق من مدرسة حفاظ القران الكريم، ومن غرفة الاذاعة.
كنا نتصور ان الاذاعة شيء مهم ويحتاج الى المباني الضخمة، واموال طائلة وموظفين و.. وهكذا كان، الا انه بدأ بها من هذه المكبرات العادية، وكان العلامة الحجة السيد عبد الحسين القزويني مديرالاذاعة الدينية في كربلاء المقدسة وتبث برامجها تحت عنوان: التوجيه الديني.
واعتمد السيد الامام على هذا الاسلوب البسيط لقلة المال وكثرة الحاجة الى مثله في وقت لم يفهمه الكثير من حملة الفكر.
وفي لقاءاته مع أصحاب رؤوس الاموال، والشخصيات السياسية والفكرية القادمة الى كربلاء، أوكان السيد الامام يلتقي بهم، كان الموضوع هو الاول وفي الصدارة، وكان همه الأول انشاء اذاعة دينية تهتم بنشر الثقافة الاسلامية، وفي لقاءه مع عبد الكريم قاسم، كما في بعض كتبه رحمه الله، طلب منه ايضا، تصورا منه انه قد يفيد الكلام مع الحاكم أو اتماما للحجة.
وفي حديثه معنا ونحن براعم لانفهم أهمية كلامه، كان يتفاءل ويقول: سيأتي زمان يكون تأسيس اذاعة مثل فتح دكان يبيع لبلبي، فكما ان الخطيب في كربلاء يصعد المنبر ويتكلم حول الحسين (عليه السلام) ومن دون خوف من أحد، يتمكن الخطيب ان يحمل معه سماعة (مكبرة صوت) ويتمكن من تأسيس اذاعة مستقلة تنشر أفكاره.
وسأله ذات يوم أحد: هل هذا في زمن الامام عجل الله فرجه ؟
وكان الجواب: قبل الظهور بكثير وانتم ستشاهدون ذلك.
واليوم وفي القرى العراقية الخطيب يحمل معه المكبرة التي يمكن شرائها بمأة الف دينار عراقي، وفي كل المساجد والحسينيات في العالم ترى المكبرات توصل الصوت الى عدد أكثرمن المستمعين.
واليوم وفي كل مدينة من مدن العراق اذاعة مستقلة، الا أنها على الأغلب في خدمة الدولة ولصالحها، لأن الاعلام المرئي والمسموع في أغلب الدول العربية والاسلامية ملك للدولة فقط.
وسيأتي، كما في الغرب اليوم، في المستقبل القريب الاذاعات المستقلة متوفرة لحملة الفكر وتكون بعضها في خدمة الدين والمؤسسات الفكرية ايضا كما هو الحال في المجلات والجرائد.
نعم ننتظراليوم الذي نرى فيه لكل خطيب اذاعة تنشرأفكاره. والصبح قريب ان شاء الله.