كانت كربلا من أكثر المدن العراقية حيوية في الستينيات من القرن الماضي، وكان المحرك الاساسي السيد الامام رحمه الله، وكانت التجربة من أكثر التجارب حلاوة ومرارة، في آن واحد. الحلاوة، ان السيد الامام أخذ بزمام المبادرة لانقاذ العراق من محنة الاستعمار الثقافي الذي غزى العراق كله، حتى المدن المقدسة، ففي مثل كربلاء ماكان فيها السفوروالعوائل كلها كانت محترمة ومحتشمة ومحافظة، وفجأة خرجت مظاهرة الى الشوارع رجال خنافس ونساء من دون حجاب وكان الهتاف: بعد شهر ماكو مهر والقاضي انذبة في النهر. يعني: في أقرب فرصة نلغي الزواج ونقضي على القوانين المرعية في هذا الشأن. وهذه المظاهرة كانت هي الاولى من الشيوعيين في كربلاء، الا أن النجف فحدث ولاحرج من كثرة المظاهرات ضد المرجعية والعلماء وكان أبناء الأسر العلمية في المقدمة، وكانت في الواقع ثورة ضد التيار الديني وبواسطة أبناء هذا التيار. حتى أنهم جائوا بحمار وعلى وجهه صورة المرجع الديني السيد الحكيم و وضعوه في مقدمة المظاهرة، حتى تدخل السيد الميرزا مهدي الشيرازي من كربلاء وطلب من الحكيم المجيء، الى كربلاء، وجاء السيد الحكيم وصلى في الصحن الحسيني وفي مكان صلاة الميرزا مهدي رحمه الله، حتى خرجت مظاهرة من الطلاب الأفغان في النجف ، وفيهم من الباكستان والهند، لمناصرة السيد الحكيم والدفاع عنه، وخرج على اثرهم (بعض) كسبة النجف (الفيترچية) وضربوا المتظاهرين الافغان بالخشب والحديد. وعندما انجلت الغبرة رجع السيد الحكيم الى النجف وبدأت النجف في العمل الثقافي مستفيدة من تجربة كربلاء، وتأسست لجان حركية واستقطبوا الشباب وتأسست حزب الدعوة في العراق، وكان هذا أول حزب اسلامي في الوسط الشيعي. فكانت كربلاء في الطليعة، لأن المرجعية أخذت على عاتقها وعي الأمة وتحملت المسؤولية ونزلت الى الشارع من خلال اقامة مهرجانات اشتهر بعضها فيما بعد باحتفال مولد الامام علي (ع) في الحسينية الطهرانية قرب الحرم الحسيني. وتمكن السيد الامام انقاذ شباب كربلاء من الأحزاب الشيوعية ووتحرك الشارع الشيعي نحو النهوض وتشكلت الجمعيات والمراكز والنوادي الثقافية وتأسست مكتبات عامة وأنشطة طلابية وشبابية للرياضة في مختلف مجالاتها، وافتتحت الاذاعات و… وكان الكتاب في طليعة الأنشطة تأليفا وطباعة ونشرا، وكذلك المجلات والكراريس التي اشتهرت بالساندويش، وفي كل مناسبة احتفالات وكتب بالمناسبة ومنشورات و.. حتى أصبحت كربلاء متحررة من الشيوعية واذنابها. وبعد كربلاء نهضت النجف الاشرف لتكون هي الثانية في التحررالثقافي وتاسيس الجامعة الدينية والمكتبات و.. الا أنهم كانوا يعيبون على كربلاء بطباعة الكراريس التي يفتخرون بانتاجها اليوم. ومن جملة الأنشطة في كربلاء كان المسرح الاسلامي، وكان المرحوم ابو باسم يعمل في المكياج وآخرين نشطوا في كتابة السناريو و اعداد المسرح، حتى ان وصلوا الى ايران في الهجرة في السبعينيات والثمانينيات، واستغلوا الحسينيات التي تأسست بأمر السيد الامام رحمه الله في قم وطهران ومشهد، ثم كاشان ويزد وغيرها من المدن الايرانية، وبدأو بتعليم المسرح الاسلامي في الوسط الايراني حتى اشتهر ابو باسم بالكربلائي وعمل في مختلف المجالات، وكانت هذه النوات الاولى في المسلسلات الاسلامية التي تنتجها ايران اليوم. ومن غريب الأمر، وفي الوقت الذي بدأ بث اول مسلسل اسلامي لحياة الامام أمير المؤمنين علي (ع) كان الامام المصلح يمر باصعب الضروف، حيث اعتقل اثنين من ابنائه واحد عشرمن وكلائه في سجن توحيد الايرانية وسط العاصمة طهران (وفي مقر الكميتة) وبدأت السلطات الايرانية بقطع أصابع (تحجيم) الامام المصلح خوفا من انتشار أفكاره المتنورة بنور الاسلام و ولاية أمير المؤمنين (ع) ونشرثقافة التسامح والسلم، من جهة، والمطالبة بالحريات السياسية وخصخصة الاقتصاد ومنع التعذيب في السجون من جهة أخرى. واني رأيت الحلقات الاولى من هذا المسلسل الجميل، مع مالنا عليه من ملاحظات، في سجن ايفين شمال طهران، حيث انتقلنا اليه لفترة حوالي عشرون يوما من بداية شهر رمضان المبارك، عندما بدأت السلطات باعتقال عناصر نشطة من السنة الذين اعترضوا على هذا المسلسل واعتبروه مشينا لبعض الصحابة على حد تعبيرهم. واعتقد ان الامام رحمه الله لم يتوفق لرؤية هذا المسلسل الذي بذل جهده لاحياء هذه السنة، سنة العمل الفني الاسلامي، وأعتقد انه تأثر تأثرا عميقا عندما سمع ان المسلسل يحتوي على موسيقى.